فى أواخر أيام السلطان سليمان أصابه مرض النقرس , فكان لا يستطيع ركوب الخيل , ولكنه كان يتحامل رحمه الله إظهارا للقوة أمام أعدائه ...
السلطان سليمان القانونى فى أواخر أيامه , وما ترك الجهاد قط
قد بلغ السلطان سليمان القانونى من العمر 74 عاماً , ومع ذلك عندما علم بأن ملك الهايسبرج أغار على ثغر من ثغور المسلمين , قام للجهاد من فوره ...
ومع أنه كان يتألم من شدة المرض إلا أنه قاد الجيش بنفسه وخرج على رأس جيش عرمرم فى 9 شوال عام 973هـ , 29 ابريل عام 1566م .. ووصل الى مدينة سيكتوار المجرية وكانت من أعظم ما شيّده النصارى من القلاع ... وكانت مشحونة بالبارود والمدافع
وكان قبل خروجه للجهاد , نصحه الطبيب الخاص بعدم الخروج لعلّة النقرس التى به , فكان جواب السلطان سليمان الذى خلده له التاريخ : أحب أن أموت غازيا فى سبيل الله ...
سبحن الملك !! , هذا السلطان كان قد بلغ من الكبر عتيا وكان يملك تحت قبضته نصف الدنيا , وملوك الأرض طوع بنانه وكان بإمكانه التمتع بحياة القصور والتنقل بين الغرف والاستمتاع بالملذات والشهوات , ومع ذلك أبى إلا أن يخرج غازيا فى سبيل الله !!
وخرج بالفعل على رأس جيشه وما كان يستطيع ان يمتطى جواده لازدياد علة النقرس عليه , فكان يُحمل فى عربة , حتى وصل الى أسوار مدينة سيكتوار ...
السلطان سليمان فى أواخر أيامه لا يقوى على ركوب الخيل , وبجانبه وزيره يسانده
وابتدأ فى حصارها , وفى أقل من اسبوعين احتلّ معاقلها الأمامية , وبدأ القتال واشتدّ النزال , وكان أصعب قتال واجهه المسلمون لمتانة الأسوار حصانتها وضرواة النصارى فى الدفاع عن حصنهم ..
واستمر القتال والحصار قرابة 5 شهور كاملة , وما ازداد أمر الفتح الا استعصابا وازداد همّ المسلمين لصعوبة الفتح , وهنا اشتدّ مرض السلطان وشعر بدنوّ الأجل , فأخذ يتضرع الله تعالى وكان من جملة ما قاله : يارب العالمين , افتح على عبادك المسلمين , وانصرهم , واضرم النار على الكفار !!!
إحدى قلاع مدينة سيكتوار المجرية ...
فاستجاب الله دعاء السلطان سليمان , فأصاب أحد مدافع المسلمين خزانة البارود فى الحصن فكان انفجارا مهولا , ودعونى أنقل لكم ما قيل فى وصف هذه الحادثة , يقول صاحب نزهة الأنظار :-
" فقبل الإنفصال إشتدّ بالسلطان رحمه الله مرضه , وغمرته غمرات الوفاة , وهو مع ذلك رضى الله تعالى عنه يلهج الى الله القريب المجيب بطلب الفتح القريب , فاستجاب الله دعاؤه فأضرمت النار فى خزانة بارود الكفّار المخزونة بالقلعة , وكانت موفورة عندهم مهيأة لقتال المسلمين , فأصابها شرر من النّار إجابة لدعاء ذلك الروح المقدّس , فأخذت جانبا كبيرا من القلعة فرفعته الى عنان السماء , وزلزلت الأرض زلزالها الى تخوم الأرض السلفى , وتطاير جلاميد صخور الحصن , ورمت النار بشرر الكقصر من جدران ذلك الحصن , والتهبت النار وتزايد الدخان حتى امتلأ الفضاء , فضعفت طائفة الكفر وعذبهم الله بنار الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى , فتزاحم الشجعان بآلات الحرب مع صدق النية والإعتماد والتوكل على الله تعالى , وطبول الحرب ونيرانه تضرب , وتحاملوا على الكفّار حملة رجل واحد , وتعلقوا بأطرف القلعة , وهجموا عليها من فوق الأسوار , واستشهد من سبقت له من الله العناية , وفتح القلعة من نصره الله من المسلمين , ورفعت الراية السليمانية على أعلى مكان من القلعة , ووقع السيف فى الكفار , فقتل منهم من قتل , واسر من بقى , وعند وصول خبر الفتح للسلطان فرِح , وحمد الله على هذه النعمة العظيمة , وقال : الآن طاب الموت , فهنيئا لهذا السعيد بهذه السعادة الأبدية , وطوبى لهذه النفس الراضية المرضية , من الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه ... " أ.هـ
قولوا : الله أكبر والعزة لله ...
عندما جاء خبر الفتح للسلطان سليمان وهو فى غمرات الموت , فرِح وحمد الله تعالى وقال : الآن طاب الموت ...
وتخرج روحه الى بارئها , الى جنان الخلد ان شاء الله ... فى 20 صفر عام 974هـ , 5 سبتمبر 1566م
ما أروع هذ الخاتمة ...
سلطان المسلمين يموت مجاهدا فى سبيل الله , وتفوض روحه فى أرض الجهاد مقبلا غير مدبر , فيالها من خاتمة , نسأل الله لنا مثلها
وأخفى الوزير محمد باشا نبأ وفاة السلطان حتى أرسل لولى عهده السلطان سليم الثانى , فجاء واستلم مقاليد السلطنة فى سيكتوار , ثم دخل اسلامبول ومعه جثمان ابيه الشهيد – ان شاء الله – وكان يوما مشهوا لم يُرى مثله إلا فى وفاة محمد الفاتح ... وصلّى عليه الإمام المفتى أبى السعود
جنازة السلطان سليمان ورجوعهم بجثمانه الى اسلامبول ...
وعلم المسلمون خبر وفاة السلطان سليمان , فحزنوا أشد الحزن ورثاه الشعراء والعلماء بقصائد ليس لها مثيل سأنقلها لكم بعد قليل ..
اما على الجانب النصرانى , فما فرح النصارى بموت أحد بعد بايزيد الأول ومحمد الفاتح كفرحهم بموت السلطان سليمان المجاهد الغازى فى سبيل الله ..
وجعلوا يوم وفاته عيدا من أعيادهم , ودقت أجراس الكنائس فرحا بموت مجدد جهاد الأمة فى القرن العاشر رحمه الله ...
صورة لقبر السلطان سليمان باسطنبول المسلمة
ما قيل فى السلطان سليمان من الشعراء والعلماء والمؤرخين :
يقول صاحب نزهة الأنظار : " وهو سلطان غاز فى سبيل الله , مجاهد فى إعلاء كلمة الله , كان رحمه الله مؤيدا فى حروبه ومغازيه , أين سلك ملك , وصلت سراياه مشارق الأرض ومغاربها , فافتتح البلاد الشاسعة والأقطار بالقهر والحجة والسيف , وأقام السنة وأحيى الملة , ورفع شعائر الشريعة وأعلى منارها , واحيى ما اندرس من آثارها , فكان من المجددين لهذه الأمة دينها فى القرن العاشر لكثرة علمه وعمله وأدبه وفضله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ... "
وقال ايضا : " .. كان رحمه الله تعالى ورضى عنه كأسلافه الطيبين محبا للجهاد فى سبيل الله , باذلا نفسه وخزائن أمواله لإعلاء كلمة الله , بحيث لم تُرفع راية الإسلام فى زمانه للإسلام على رأس أحد من السلاطين العظام مثله !! , ولم يكن أكثر جهادا ونصرة للدين , وأكملُ عّدَّة وآلة لقطع الملاعين , وأقمع لأهل البغى والبدعة والكفرة الملحدين , وأشدّ عضدا وأشدّ نصراً لأهل السنة والدين منه رحمه الله , فهو سليمان زمانه وفريد عصره وأوانه , فكم دوّخ بلاد الكفر واجتاحها وجاس خلال مغانيها ورباعها , وافتتح صياصيها وقلاعها , وأخرب معاهد الأصنام , وبنى مساجد للإسلام . " أ.هـ
طغراء السلطان سليمان القانونى رحمه الله
-------------------------------------------------------
يقول صاحب أخبار الدول : " وكان رحمه الله , عالى الهمة , عالما , شجيعا الى الغاية , طويل القامة , حسن الصورة , وهو ممن اشتهر فى الآفاق بالعدل والخيرات ... "
-------------------------------------------------------
يقول صاحب العقد المنظوم : " .. السلطان سليمان بن سليم خان عاشر سلاطين آل عثمان فاتح ديار فارس وبغداد , قالع قلاع انكروس وبغدان بلغراد , قامع آثار الكفرة والملحدين , معفر جباه عتاة المشركين صاحب الوقائع المشهورة , والمناقب المذكورة , ملك ملك الآفاق بسطوته وتطاطا سراة العالمين عند سرادقات عزته , هو الذى هرب ملك المشرق من بين يديه دربا فدربا , ودانت لهيبته الملوك شرقا وغربا , فياله من ملك مجاهد تناول الكواكب وهو قاعد أصبح البحر من صارمه الصمصام فى اضطراب ..... "
وقال ايضا : " ... كان رحمه الله ملكا ممدوحا ومحمودا مقداما مظفرا مسعودا , وقع منه عداة الدين فى العذاب الأليم ... وكان رحمه الله ذا حظ من المعارف والنوادر وله معرفة تامة بالتواريخ من الأوائل والأواخر , وكان ينظم الشعر بالتركى والفارسى .. "
-------------------------------------------------------
يقول صاحب شذرات الذهب : " .. كان سلطانا سعيدا ملكا , أيده الله لنصرة الإسلام تأييدا ... وهو سلطانٍ غازٍ فى سبيل الله , مجاهد لنصرة دين الله , مُرغم أنواف عداه بلسان سيفه وسنان قناه , كان مؤيدا فى حروبه ومغازيه , مسدداً فى آرائه ومعازيه , مسعودا فى معانية ومغانية , مشهودا فى وقائعه ومراميه , أيّان سلك ملك , وأنّى توجه فتح وفتك , وأين سافر سفر وسفك , وصلت سراياه الى أقصى الشرق والغرب , وافتتح البلدان الشاسعة الواسعة بالقهر والحرب , وأخذ الكفار والملاحدة بقوة الطعان والضرب , وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية فى القرن العاشر , مع الفضل الباهر , والعلم الزاهر , والأدب الغص الذى يقصر عن شأوه كل أديب شاعر , إن نظم نضد عقود الجواهر , أو نثر آثر منثور الأزاهر , أو نطق قلّد الأعناق نفائس الدرّ الفاخر ... كان رؤوفا , شفوقا , صادقا , صدوقا , إذا قال صدق , وإذا قيل له صدّق , لا يعرف الغلّ والخداع , ويتحاشى عن سوء الطباع ولا يعرف المكر والنفاق , ولا يألف مساوىء الأخلاق , بل هو صافى الفؤاد , صادق الإعتقاد , منّور الباطن , كامل الإيمان , سليم القلب , خالص الجنان ..... "
-------------------------------------------------------
يقول الجبرتى فى تاريخه عن السلطان سليمان وعن دولة آل عثمان : " .. المغازى السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان , فأسس القواعد , وتمم المقاصد , ونظم الممالك , وآنار الحوالك , ورفع منار الدين , وأخمد نيران الكافرين , وسيرته الجميلة أغنت عن التعريف , وتراجمه مشحونة بها التصانيف .... "
ثم قال عن الدولة العثمانية : " ... ولم تزل البلاد منتظمة فى سلكهم , ومنقادة تحت حكمهم , من ذلك الأوان الذى استولوا عليها فيه إلى هذا الوقت الذى نحن فيه , وولاة مصر نوابهم , وحكامها أمراؤهم , وكانوا فى صدر دولتهم من خير من تقلد أمور الأمة بعد الخلفاء المهديين , وأشد من ذب عن الدين , وأعظم من جاهد فى المشركين , فلذلك اتسعت ممالكهم , بما فتحه الله على ايديهم وايدى نوابهم , وملكوا أحسن المعمور من الأرض , ودانت لهم الممالك فى الطول والعرض , هذا مع عدم إغفالهم الأمور , وحفظ النواحى والثغور , وإقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية , وتعظيم العلماء وأهل الدين , وخدمة الحريمين الشريفين , والتمسك فى الأحكام والوقائع , بالقوانين والشرائع , فتحصنت دولتهم , وطالت مدتهم , وهابتهم الملوكم , وانقاد لهم الممالك والملوك . " أ.هـ
جامع السليمانية
-------------------------------------------------------
وما قيل من الشعر فى حقه , وبما رثاه العلماء والشعراء , وهذه القصائد لم يوردها المعاصرين فى كتبهم , وهى تنشر الآن لأول مرة ولله الحمد والمنة فى هذا المنتدى الشامخ :
كان من أعظم ما قيل من الشعر هو ما نظمه المفتى أبى السعود صاحب التفسير فى وفاة السلطان سليمان :
أصوت صاعقةٍ أم نفخةُ الصورِ *** فالأرض قد مُلئت من نقرِ ناقورِ
أصاب منها الورى دهياء داهيةٍ *** وذاق منها البرايا صعقةَ الطورِ
تهدّمت بقعة الدنيا لوقعتها *** وانهدّ ما كان من سور ومن دورِ
أمسى معالمها تَيْمَاءَ مُقفرةً *** ما فى المنازل من دار ودَيُّورِ
تصدّعت قُلَلُ الأطواد وارتعدت *** كأنها قلب مرعوب ومذعورِ
واغبرَّ ناصيةُ الخضراءِ وانكدرت *** وكاد ان تمتلىء الغبراء بالمورِ
فمن كئيب وملهوف ومن دَنِف *** عَانٍ بسلسلة الأحزانِ مَأسورِ
فيا له من حديث موحش نكد *** يعافه السَّمع مكروه ومنفورِ
تاهت عقول الورى من هول وحشته *** فأصبحوا مثل مسجون ومسحور
تقطَّعت قِطعاً منه القلوب فلا *** يكاد يوجد قلبٌ غير مكسورِ
أجفانهم سفن مشحونةٌ بدم *** تجرى ببحر من العبْراتِ مسجورِ
أتى بوجه نهار لا ضياء له *** كأنّها غارة شنّت بديْجورِ
أم ذاك نعى سليمان الزمان ومن *** مضت أوامره فى كل مأمورِ
من ملا جملة الدنيا مهابته *** وسخّرت كل جبّار وتيْهورِ
مدار سلطنة الدنيا ومركزها *** خليفةُ الله فى الآفاق مذكورِ
مُعلى معالم دين الله مُظهرها *** فى العالمين بسعى منه مشكورِ
وحسن رأى الى الخيرات مُنصرف *** وصدقُ عزم على الألطاف مقصورِ
بآية العدل والإحسان مُمْتثِلٍ *** بغاية القسطِ والإنصافِ موفورِ
مجاهد فى سبيل الله مجتهد *** مؤيد من جناب القسط منصورِ
بلهذمىّ إلى الأعداء منعطفٍ *** ومشرفىّ على الكفار مشهورِ
وراية رُفعت للمجد خافقةً *** تحْوى على علمٍ بالنصر منشورِ
وعسكر ملأ الآفاق مُحتشدٍ *** من كل قطر من الأقطار محشورِ
له وقائع فى الأعداء شائعةٍ *** وأخبارها زُبرت فى كل طامورِ
يا نفس ما لكِ فى الدنيا مخلّفةٌ *** من بعد رحلته عن هذه الدورِ
وكيف تمشين فوق الأرض غافلة *** أليس جثمانه فيها بمقبورِ
فللمنايا مواقيت مقدّرة *** تأتى على قدرٍ فى اللوح مسطورِ
وليس فى شأنها للناس من أثر *** ومدخل ما بتقديم وتأخيرِ
إذ لستِ مأمورةً بالمستحيل ولا *** بما يُنْوى بمجذولٍ ومسرورِ
وا تظنّنّه قد مات بل هو ذا *** حىٌ بنصٍ من القرآنِ مزبورِ
له نعيم وأرزاق مقدرة *** تُجرى عليه بوجه غير مشعور
إن المنايا إن عمّت محرّمة *** على شهيد جميل الحال مبرورِ
مرابطٌ فى سبيل الله مقتحمٌ *** معارك الحتف بالرضّوان مأجورِ
ما مات بل نال عيشا باقيا ابدا *** عن عيش فانٍ بكل الشر مغمورِ
إبتاع سلطنة العقبى بسلطنة *** الدنيا فأعظم بربح غير محصورِ
بل حاز كلتيْهما إذ حلّ منزله *** من لم يغايره فى أمر ومأمورِ
أما ترى ملكه المحمى آل إلى *** سرّ سَرِىٍ له فى الدهر مشهورِ
ولىّ سلطنة الآفاق مالكها *** برا وبحرا بعين اللطف منظورِ
-------------------------------------------------------
ومن أعظم ما قيل وهى مؤثرة جدا , أوردها عبد الرحيم العباسىّ فى كتابه منح البرية , ولعلها من نظمه هو وقد كان شاعرا فحلا , قال رحمه الله :-
كأن لم تكن للكفر داراً ولم يقم *** بها قائم نعماء مولاه يكفرُ
وصار بها الإسلام فى أرفع الذُّرا *** تتيه بمجدٍ من عُلاه وتفخرُ
وأعلن بالتوحيد من كان ساكتاً *** وخافَتَ بالإشراك من كان يجهرُ
وقام منارٌ الدين بعد قعوده *** وظل به يزهو سريرٌ ومنبرُ
وتاهت على كل البلاد بدولة *** لها السعد عبدٌ طوع ما يأتى تأمّرُ
وأضحت وأعناق الممالك خُضعا *** لديها وجبهات الملوك تُعفّرُ
بِسَعدِ سليمانَ الزمان ومن له *** إله البرايا ناصرٌ ومظفّرُ
مليك حباه الله ملكا مُؤيداً *** يجدُّ على مر الليالى ويُذكرُ
مليكٌ له عمزٌ إذا ما انتضان لا *** يقاربه ماضٍ صقيلٌ وأبترُ
مليكٌ إذا ما همّ أيسر همّةٍ *** لقصدٍ تسنى مسرعاً لا يُقصرُ
مليكٌ أبادَ الكفرَ رعبا فلم يدع *** لهم أنفساً إلا بذكراه تُذعرُ
مليكٌ يرى أن ليس فى الأرض مشتهى *** سوى منع دين الله مما يُغيّرُ
مليكٌ له فوق السمّاكين رتبةٌ *** جميع المعالى دونها تتقهقرُ
مليكٌ بدا فى الكون للناس رحمة *** به كل مكسورٍ من الدهر يُجبرُ
مليكٌ يُحارُ الفهم فى كُنهِ وصفهِ *** ويعجز عنه التفكير حين يَفكّرُ
إذا قال فيه الشعرَ أشعرُ شاعرٍ *** ولو أنه الشعرى لما كان يشعرُ
ولكنه بالحلم يُغضى عن الذى *** يُقصّرُ بعد الجهد فضلاً ويعذرُ
فلا زال فى سعدٍ يدوم ودولةٍ *** مخلّدةٍ ما قال بِشراً مُبشّرُ
-------------------------------------------------------
ومما ذكره صاحب العقد المنظوم كذلك :-
مضى ملك الدنيا ولم يبق مشرق *** ولا مغرب إلا له فيه نائح
ولم يُغن عنه ماله ورجاله *** من الموت شيئا والخيول السوابح
وما انا من رزء وان جل فاجع *** ولا بحبور بعد موتك فارح
وقل للمنايا قد ظفرت سميدعا *** براجمه للمشرقين مفاتح
وقل للعطايا بعد ذاك تعطلى *** فإن ولى الجود والطول طائح
إمام الهدى بحر الندى قامع العدا *** سليمان من بالفضل للناس سامح
لقد دُفن المجد الرفيع بدفنه *** وعزّ منيع والخلال الصوالح
وجد لرايات السيادة ناصب *** وجد لآيات السعادة واضح
وقد بكت الأقلام اذ فاض بالاسى *** عليه كما رنت عليه الصفائح
ذر الموت يُفنى من أراد فإنه *** ثوى اليوم من يخشى عليه الفوادح
اذا أعجلت سهما من العيش ناعما *** فمن خلفه سهم من البؤس فادح
سلاف قصاراها زعاف ومركب *** شهى اذا استلذذته فهو جامح
وقد جاد ما قد قيل فى وصف حظها *** وماهو وصف ان تدبرت صالح
رويدك يا من غرهطيف عزها *** فعما قليل عنك ذاك نازح
وما هو إلا كالشهاب وضوئه *** يزول بآن بعدما هو لائح
وأودى ولكن طيب ذكراه خالد *** الى الحشر يبقى وهو كالمسك فائح
الا أيها الملك السعيد المكرم *** عليك سلام الله ماحن صادح
ونقل ايضا فى كتابه : -
نسيم الصبا رقت بأشجان فرقة *** حمامة ذات السدر جنت من الذعرِ
أحامى حمى الاسلام أودى وهل له *** نعيت لدين أنت مالك من عذرِ
أزالت من الدنيا مراسم بهجة *** وآلت مسرات الزمان الى الضرِ
دموعى جودى فى رزية عادل *** عديل ابن خطاب مثيل أبى بكرِ
لقد ذاق من كاس الحمام امامنا *** امام الهدى بحر الندى طيب البشرِ
أنام أنام العهد فى مهد عدله *** فراح الى دوح على سندس خضرِ
تفضلت الأيام بالجمع بيننا *** ففرق من أجل القصور عن الشكرِ
كذلك دهر الدهر بؤس ونعمة *** وناهيك تلك الحل فى الوعظ والذكرِ
فوا حسرتا ان أنزل الدهر مثله *** من القصر فى قعر الجنادل والصخرِ
فما اخضرّ بالمروين بعدك عوده *** وما غردت ورقاء فى الروض ذى النورِ
وما قلبت أيدى الفوارس بعده *** رماحا لدى الهيجاء ذى الكر والفرِ
سقى الله قبرا من سحائب نعمه *** تضمن بحرا فى الندى صافى البرِ
ألا أيها الملك الشهيد المجاهد حليما *** كريما قد مضى طيب الذكرِ
عليك من الرحمن فضل ورحمة *** وروح وريحان مدى الدهر والعصرِ
كما أنت فى الأولى بعز ونعمة *** كذلك فى الأخرى وفى الحشر والنشر
-------------------------------------------------------
وذكر فى النور السافر فى أخبار القرن العاشر :-
لعمرك ما الأعمار إلا مراحلُ ***وفيها مرور الحادثات مناهلُ
كأن بنى العباس سنت سوادها *** عليه وبالأعلام قاست دلائلُ
وكان عماد الدين فى كل حادث *** وسلطانه بالنصر للشرع حافلُ
وجثته فى الأرض أضحت دفينة *** ومن شأنها تحوى الكتوز الجنادلُ
فكم حىّ قلب قد تقلب فى الغضا *** عليه وكم عقل غدا وهو ذاهلُ
وكم أنفق الأموال فى الغزو قائلاً *** إلا فى سبيل الله ما أنا فاعلُ
شياطين أهل الكفر ولت لأنها *** سليمان وافا وهو للشرك خاذلُ
غزاهم بعزم كالشهاب وقد سما *** ومن حوله عد النجوم جحافلُ
أسود لها لهف الدروع مواطن *** وغاباتها سمر القنا والعواملُ
-------------------------------------------------------
وللأديب ماميه الانقشارى فى تاريخ وفاته شعراً :
انتقل العادل من دنيته *** جاور الرحمن والمولى الرحيم
قالت الأقطاب فى تاريخه *** "مات سليمان بن سلطان سليم"
-------------------------------------------------------
وإلى هنا ينتهى ما وفّقنى الله فى كتابته ولله الحمد والمنة ...
كلمة لإخواننا من المسلمين :
هذه سيرة رجل من أعظم القادة والفاتحين , لم نكن نعلم عنه شيئا ... وتاريخنا الإسلامى مليىء بالأبطال والقادة والفاتحين , والمطلوب ان نفتح الكتب ونقرأ ونستخرج سير هؤلاء الأبطال
أرجو عند نشر الموضوع ذكر المصدر وذكر اسم كاتب المقال .... والسلام ختام
( قسم التاريخ - منتدى فرسان السنة :: فرسان الحق)
السلطان سليمان القانونى فى أواخر أيامه , وما ترك الجهاد قط
قد بلغ السلطان سليمان القانونى من العمر 74 عاماً , ومع ذلك عندما علم بأن ملك الهايسبرج أغار على ثغر من ثغور المسلمين , قام للجهاد من فوره ...
ومع أنه كان يتألم من شدة المرض إلا أنه قاد الجيش بنفسه وخرج على رأس جيش عرمرم فى 9 شوال عام 973هـ , 29 ابريل عام 1566م .. ووصل الى مدينة سيكتوار المجرية وكانت من أعظم ما شيّده النصارى من القلاع ... وكانت مشحونة بالبارود والمدافع
وكان قبل خروجه للجهاد , نصحه الطبيب الخاص بعدم الخروج لعلّة النقرس التى به , فكان جواب السلطان سليمان الذى خلده له التاريخ : أحب أن أموت غازيا فى سبيل الله ...
سبحن الملك !! , هذا السلطان كان قد بلغ من الكبر عتيا وكان يملك تحت قبضته نصف الدنيا , وملوك الأرض طوع بنانه وكان بإمكانه التمتع بحياة القصور والتنقل بين الغرف والاستمتاع بالملذات والشهوات , ومع ذلك أبى إلا أن يخرج غازيا فى سبيل الله !!
وخرج بالفعل على رأس جيشه وما كان يستطيع ان يمتطى جواده لازدياد علة النقرس عليه , فكان يُحمل فى عربة , حتى وصل الى أسوار مدينة سيكتوار ...
السلطان سليمان فى أواخر أيامه لا يقوى على ركوب الخيل , وبجانبه وزيره يسانده
وابتدأ فى حصارها , وفى أقل من اسبوعين احتلّ معاقلها الأمامية , وبدأ القتال واشتدّ النزال , وكان أصعب قتال واجهه المسلمون لمتانة الأسوار حصانتها وضرواة النصارى فى الدفاع عن حصنهم ..
واستمر القتال والحصار قرابة 5 شهور كاملة , وما ازداد أمر الفتح الا استعصابا وازداد همّ المسلمين لصعوبة الفتح , وهنا اشتدّ مرض السلطان وشعر بدنوّ الأجل , فأخذ يتضرع الله تعالى وكان من جملة ما قاله : يارب العالمين , افتح على عبادك المسلمين , وانصرهم , واضرم النار على الكفار !!!
إحدى قلاع مدينة سيكتوار المجرية ...
فاستجاب الله دعاء السلطان سليمان , فأصاب أحد مدافع المسلمين خزانة البارود فى الحصن فكان انفجارا مهولا , ودعونى أنقل لكم ما قيل فى وصف هذه الحادثة , يقول صاحب نزهة الأنظار :-
" فقبل الإنفصال إشتدّ بالسلطان رحمه الله مرضه , وغمرته غمرات الوفاة , وهو مع ذلك رضى الله تعالى عنه يلهج الى الله القريب المجيب بطلب الفتح القريب , فاستجاب الله دعاؤه فأضرمت النار فى خزانة بارود الكفّار المخزونة بالقلعة , وكانت موفورة عندهم مهيأة لقتال المسلمين , فأصابها شرر من النّار إجابة لدعاء ذلك الروح المقدّس , فأخذت جانبا كبيرا من القلعة فرفعته الى عنان السماء , وزلزلت الأرض زلزالها الى تخوم الأرض السلفى , وتطاير جلاميد صخور الحصن , ورمت النار بشرر الكقصر من جدران ذلك الحصن , والتهبت النار وتزايد الدخان حتى امتلأ الفضاء , فضعفت طائفة الكفر وعذبهم الله بنار الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى , فتزاحم الشجعان بآلات الحرب مع صدق النية والإعتماد والتوكل على الله تعالى , وطبول الحرب ونيرانه تضرب , وتحاملوا على الكفّار حملة رجل واحد , وتعلقوا بأطرف القلعة , وهجموا عليها من فوق الأسوار , واستشهد من سبقت له من الله العناية , وفتح القلعة من نصره الله من المسلمين , ورفعت الراية السليمانية على أعلى مكان من القلعة , ووقع السيف فى الكفار , فقتل منهم من قتل , واسر من بقى , وعند وصول خبر الفتح للسلطان فرِح , وحمد الله على هذه النعمة العظيمة , وقال : الآن طاب الموت , فهنيئا لهذا السعيد بهذه السعادة الأبدية , وطوبى لهذه النفس الراضية المرضية , من الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه ... " أ.هـ
قولوا : الله أكبر والعزة لله ...
عندما جاء خبر الفتح للسلطان سليمان وهو فى غمرات الموت , فرِح وحمد الله تعالى وقال : الآن طاب الموت ...
وتخرج روحه الى بارئها , الى جنان الخلد ان شاء الله ... فى 20 صفر عام 974هـ , 5 سبتمبر 1566م
ما أروع هذ الخاتمة ...
سلطان المسلمين يموت مجاهدا فى سبيل الله , وتفوض روحه فى أرض الجهاد مقبلا غير مدبر , فيالها من خاتمة , نسأل الله لنا مثلها
وأخفى الوزير محمد باشا نبأ وفاة السلطان حتى أرسل لولى عهده السلطان سليم الثانى , فجاء واستلم مقاليد السلطنة فى سيكتوار , ثم دخل اسلامبول ومعه جثمان ابيه الشهيد – ان شاء الله – وكان يوما مشهوا لم يُرى مثله إلا فى وفاة محمد الفاتح ... وصلّى عليه الإمام المفتى أبى السعود
جنازة السلطان سليمان ورجوعهم بجثمانه الى اسلامبول ...
وعلم المسلمون خبر وفاة السلطان سليمان , فحزنوا أشد الحزن ورثاه الشعراء والعلماء بقصائد ليس لها مثيل سأنقلها لكم بعد قليل ..
اما على الجانب النصرانى , فما فرح النصارى بموت أحد بعد بايزيد الأول ومحمد الفاتح كفرحهم بموت السلطان سليمان المجاهد الغازى فى سبيل الله ..
وجعلوا يوم وفاته عيدا من أعيادهم , ودقت أجراس الكنائس فرحا بموت مجدد جهاد الأمة فى القرن العاشر رحمه الله ...
صورة لقبر السلطان سليمان باسطنبول المسلمة
ما قيل فى السلطان سليمان من الشعراء والعلماء والمؤرخين :
يقول صاحب نزهة الأنظار : " وهو سلطان غاز فى سبيل الله , مجاهد فى إعلاء كلمة الله , كان رحمه الله مؤيدا فى حروبه ومغازيه , أين سلك ملك , وصلت سراياه مشارق الأرض ومغاربها , فافتتح البلاد الشاسعة والأقطار بالقهر والحجة والسيف , وأقام السنة وأحيى الملة , ورفع شعائر الشريعة وأعلى منارها , واحيى ما اندرس من آثارها , فكان من المجددين لهذه الأمة دينها فى القرن العاشر لكثرة علمه وعمله وأدبه وفضله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ... "
وقال ايضا : " .. كان رحمه الله تعالى ورضى عنه كأسلافه الطيبين محبا للجهاد فى سبيل الله , باذلا نفسه وخزائن أمواله لإعلاء كلمة الله , بحيث لم تُرفع راية الإسلام فى زمانه للإسلام على رأس أحد من السلاطين العظام مثله !! , ولم يكن أكثر جهادا ونصرة للدين , وأكملُ عّدَّة وآلة لقطع الملاعين , وأقمع لأهل البغى والبدعة والكفرة الملحدين , وأشدّ عضدا وأشدّ نصراً لأهل السنة والدين منه رحمه الله , فهو سليمان زمانه وفريد عصره وأوانه , فكم دوّخ بلاد الكفر واجتاحها وجاس خلال مغانيها ورباعها , وافتتح صياصيها وقلاعها , وأخرب معاهد الأصنام , وبنى مساجد للإسلام . " أ.هـ
طغراء السلطان سليمان القانونى رحمه الله
-------------------------------------------------------
يقول صاحب أخبار الدول : " وكان رحمه الله , عالى الهمة , عالما , شجيعا الى الغاية , طويل القامة , حسن الصورة , وهو ممن اشتهر فى الآفاق بالعدل والخيرات ... "
-------------------------------------------------------
يقول صاحب العقد المنظوم : " .. السلطان سليمان بن سليم خان عاشر سلاطين آل عثمان فاتح ديار فارس وبغداد , قالع قلاع انكروس وبغدان بلغراد , قامع آثار الكفرة والملحدين , معفر جباه عتاة المشركين صاحب الوقائع المشهورة , والمناقب المذكورة , ملك ملك الآفاق بسطوته وتطاطا سراة العالمين عند سرادقات عزته , هو الذى هرب ملك المشرق من بين يديه دربا فدربا , ودانت لهيبته الملوك شرقا وغربا , فياله من ملك مجاهد تناول الكواكب وهو قاعد أصبح البحر من صارمه الصمصام فى اضطراب ..... "
وقال ايضا : " ... كان رحمه الله ملكا ممدوحا ومحمودا مقداما مظفرا مسعودا , وقع منه عداة الدين فى العذاب الأليم ... وكان رحمه الله ذا حظ من المعارف والنوادر وله معرفة تامة بالتواريخ من الأوائل والأواخر , وكان ينظم الشعر بالتركى والفارسى .. "
-------------------------------------------------------
يقول صاحب شذرات الذهب : " .. كان سلطانا سعيدا ملكا , أيده الله لنصرة الإسلام تأييدا ... وهو سلطانٍ غازٍ فى سبيل الله , مجاهد لنصرة دين الله , مُرغم أنواف عداه بلسان سيفه وسنان قناه , كان مؤيدا فى حروبه ومغازيه , مسدداً فى آرائه ومعازيه , مسعودا فى معانية ومغانية , مشهودا فى وقائعه ومراميه , أيّان سلك ملك , وأنّى توجه فتح وفتك , وأين سافر سفر وسفك , وصلت سراياه الى أقصى الشرق والغرب , وافتتح البلدان الشاسعة الواسعة بالقهر والحرب , وأخذ الكفار والملاحدة بقوة الطعان والضرب , وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية فى القرن العاشر , مع الفضل الباهر , والعلم الزاهر , والأدب الغص الذى يقصر عن شأوه كل أديب شاعر , إن نظم نضد عقود الجواهر , أو نثر آثر منثور الأزاهر , أو نطق قلّد الأعناق نفائس الدرّ الفاخر ... كان رؤوفا , شفوقا , صادقا , صدوقا , إذا قال صدق , وإذا قيل له صدّق , لا يعرف الغلّ والخداع , ويتحاشى عن سوء الطباع ولا يعرف المكر والنفاق , ولا يألف مساوىء الأخلاق , بل هو صافى الفؤاد , صادق الإعتقاد , منّور الباطن , كامل الإيمان , سليم القلب , خالص الجنان ..... "
-------------------------------------------------------
يقول الجبرتى فى تاريخه عن السلطان سليمان وعن دولة آل عثمان : " .. المغازى السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان , فأسس القواعد , وتمم المقاصد , ونظم الممالك , وآنار الحوالك , ورفع منار الدين , وأخمد نيران الكافرين , وسيرته الجميلة أغنت عن التعريف , وتراجمه مشحونة بها التصانيف .... "
ثم قال عن الدولة العثمانية : " ... ولم تزل البلاد منتظمة فى سلكهم , ومنقادة تحت حكمهم , من ذلك الأوان الذى استولوا عليها فيه إلى هذا الوقت الذى نحن فيه , وولاة مصر نوابهم , وحكامها أمراؤهم , وكانوا فى صدر دولتهم من خير من تقلد أمور الأمة بعد الخلفاء المهديين , وأشد من ذب عن الدين , وأعظم من جاهد فى المشركين , فلذلك اتسعت ممالكهم , بما فتحه الله على ايديهم وايدى نوابهم , وملكوا أحسن المعمور من الأرض , ودانت لهم الممالك فى الطول والعرض , هذا مع عدم إغفالهم الأمور , وحفظ النواحى والثغور , وإقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية , وتعظيم العلماء وأهل الدين , وخدمة الحريمين الشريفين , والتمسك فى الأحكام والوقائع , بالقوانين والشرائع , فتحصنت دولتهم , وطالت مدتهم , وهابتهم الملوكم , وانقاد لهم الممالك والملوك . " أ.هـ
جامع السليمانية
-------------------------------------------------------
وما قيل من الشعر فى حقه , وبما رثاه العلماء والشعراء , وهذه القصائد لم يوردها المعاصرين فى كتبهم , وهى تنشر الآن لأول مرة ولله الحمد والمنة فى هذا المنتدى الشامخ :
كان من أعظم ما قيل من الشعر هو ما نظمه المفتى أبى السعود صاحب التفسير فى وفاة السلطان سليمان :
أصوت صاعقةٍ أم نفخةُ الصورِ *** فالأرض قد مُلئت من نقرِ ناقورِ
أصاب منها الورى دهياء داهيةٍ *** وذاق منها البرايا صعقةَ الطورِ
تهدّمت بقعة الدنيا لوقعتها *** وانهدّ ما كان من سور ومن دورِ
أمسى معالمها تَيْمَاءَ مُقفرةً *** ما فى المنازل من دار ودَيُّورِ
تصدّعت قُلَلُ الأطواد وارتعدت *** كأنها قلب مرعوب ومذعورِ
واغبرَّ ناصيةُ الخضراءِ وانكدرت *** وكاد ان تمتلىء الغبراء بالمورِ
فمن كئيب وملهوف ومن دَنِف *** عَانٍ بسلسلة الأحزانِ مَأسورِ
فيا له من حديث موحش نكد *** يعافه السَّمع مكروه ومنفورِ
تاهت عقول الورى من هول وحشته *** فأصبحوا مثل مسجون ومسحور
تقطَّعت قِطعاً منه القلوب فلا *** يكاد يوجد قلبٌ غير مكسورِ
أجفانهم سفن مشحونةٌ بدم *** تجرى ببحر من العبْراتِ مسجورِ
أتى بوجه نهار لا ضياء له *** كأنّها غارة شنّت بديْجورِ
أم ذاك نعى سليمان الزمان ومن *** مضت أوامره فى كل مأمورِ
من ملا جملة الدنيا مهابته *** وسخّرت كل جبّار وتيْهورِ
مدار سلطنة الدنيا ومركزها *** خليفةُ الله فى الآفاق مذكورِ
مُعلى معالم دين الله مُظهرها *** فى العالمين بسعى منه مشكورِ
وحسن رأى الى الخيرات مُنصرف *** وصدقُ عزم على الألطاف مقصورِ
بآية العدل والإحسان مُمْتثِلٍ *** بغاية القسطِ والإنصافِ موفورِ
مجاهد فى سبيل الله مجتهد *** مؤيد من جناب القسط منصورِ
بلهذمىّ إلى الأعداء منعطفٍ *** ومشرفىّ على الكفار مشهورِ
وراية رُفعت للمجد خافقةً *** تحْوى على علمٍ بالنصر منشورِ
وعسكر ملأ الآفاق مُحتشدٍ *** من كل قطر من الأقطار محشورِ
له وقائع فى الأعداء شائعةٍ *** وأخبارها زُبرت فى كل طامورِ
يا نفس ما لكِ فى الدنيا مخلّفةٌ *** من بعد رحلته عن هذه الدورِ
وكيف تمشين فوق الأرض غافلة *** أليس جثمانه فيها بمقبورِ
فللمنايا مواقيت مقدّرة *** تأتى على قدرٍ فى اللوح مسطورِ
وليس فى شأنها للناس من أثر *** ومدخل ما بتقديم وتأخيرِ
إذ لستِ مأمورةً بالمستحيل ولا *** بما يُنْوى بمجذولٍ ومسرورِ
وا تظنّنّه قد مات بل هو ذا *** حىٌ بنصٍ من القرآنِ مزبورِ
له نعيم وأرزاق مقدرة *** تُجرى عليه بوجه غير مشعور
إن المنايا إن عمّت محرّمة *** على شهيد جميل الحال مبرورِ
مرابطٌ فى سبيل الله مقتحمٌ *** معارك الحتف بالرضّوان مأجورِ
ما مات بل نال عيشا باقيا ابدا *** عن عيش فانٍ بكل الشر مغمورِ
إبتاع سلطنة العقبى بسلطنة *** الدنيا فأعظم بربح غير محصورِ
بل حاز كلتيْهما إذ حلّ منزله *** من لم يغايره فى أمر ومأمورِ
أما ترى ملكه المحمى آل إلى *** سرّ سَرِىٍ له فى الدهر مشهورِ
ولىّ سلطنة الآفاق مالكها *** برا وبحرا بعين اللطف منظورِ
-------------------------------------------------------
ومن أعظم ما قيل وهى مؤثرة جدا , أوردها عبد الرحيم العباسىّ فى كتابه منح البرية , ولعلها من نظمه هو وقد كان شاعرا فحلا , قال رحمه الله :-
كأن لم تكن للكفر داراً ولم يقم *** بها قائم نعماء مولاه يكفرُ
وصار بها الإسلام فى أرفع الذُّرا *** تتيه بمجدٍ من عُلاه وتفخرُ
وأعلن بالتوحيد من كان ساكتاً *** وخافَتَ بالإشراك من كان يجهرُ
وقام منارٌ الدين بعد قعوده *** وظل به يزهو سريرٌ ومنبرُ
وتاهت على كل البلاد بدولة *** لها السعد عبدٌ طوع ما يأتى تأمّرُ
وأضحت وأعناق الممالك خُضعا *** لديها وجبهات الملوك تُعفّرُ
بِسَعدِ سليمانَ الزمان ومن له *** إله البرايا ناصرٌ ومظفّرُ
مليك حباه الله ملكا مُؤيداً *** يجدُّ على مر الليالى ويُذكرُ
مليكٌ له عمزٌ إذا ما انتضان لا *** يقاربه ماضٍ صقيلٌ وأبترُ
مليكٌ إذا ما همّ أيسر همّةٍ *** لقصدٍ تسنى مسرعاً لا يُقصرُ
مليكٌ أبادَ الكفرَ رعبا فلم يدع *** لهم أنفساً إلا بذكراه تُذعرُ
مليكٌ يرى أن ليس فى الأرض مشتهى *** سوى منع دين الله مما يُغيّرُ
مليكٌ له فوق السمّاكين رتبةٌ *** جميع المعالى دونها تتقهقرُ
مليكٌ بدا فى الكون للناس رحمة *** به كل مكسورٍ من الدهر يُجبرُ
مليكٌ يُحارُ الفهم فى كُنهِ وصفهِ *** ويعجز عنه التفكير حين يَفكّرُ
إذا قال فيه الشعرَ أشعرُ شاعرٍ *** ولو أنه الشعرى لما كان يشعرُ
ولكنه بالحلم يُغضى عن الذى *** يُقصّرُ بعد الجهد فضلاً ويعذرُ
فلا زال فى سعدٍ يدوم ودولةٍ *** مخلّدةٍ ما قال بِشراً مُبشّرُ
-------------------------------------------------------
ومما ذكره صاحب العقد المنظوم كذلك :-
مضى ملك الدنيا ولم يبق مشرق *** ولا مغرب إلا له فيه نائح
ولم يُغن عنه ماله ورجاله *** من الموت شيئا والخيول السوابح
وما انا من رزء وان جل فاجع *** ولا بحبور بعد موتك فارح
وقل للمنايا قد ظفرت سميدعا *** براجمه للمشرقين مفاتح
وقل للعطايا بعد ذاك تعطلى *** فإن ولى الجود والطول طائح
إمام الهدى بحر الندى قامع العدا *** سليمان من بالفضل للناس سامح
لقد دُفن المجد الرفيع بدفنه *** وعزّ منيع والخلال الصوالح
وجد لرايات السيادة ناصب *** وجد لآيات السعادة واضح
وقد بكت الأقلام اذ فاض بالاسى *** عليه كما رنت عليه الصفائح
ذر الموت يُفنى من أراد فإنه *** ثوى اليوم من يخشى عليه الفوادح
اذا أعجلت سهما من العيش ناعما *** فمن خلفه سهم من البؤس فادح
سلاف قصاراها زعاف ومركب *** شهى اذا استلذذته فهو جامح
وقد جاد ما قد قيل فى وصف حظها *** وماهو وصف ان تدبرت صالح
رويدك يا من غرهطيف عزها *** فعما قليل عنك ذاك نازح
وما هو إلا كالشهاب وضوئه *** يزول بآن بعدما هو لائح
وأودى ولكن طيب ذكراه خالد *** الى الحشر يبقى وهو كالمسك فائح
الا أيها الملك السعيد المكرم *** عليك سلام الله ماحن صادح
ونقل ايضا فى كتابه : -
نسيم الصبا رقت بأشجان فرقة *** حمامة ذات السدر جنت من الذعرِ
أحامى حمى الاسلام أودى وهل له *** نعيت لدين أنت مالك من عذرِ
أزالت من الدنيا مراسم بهجة *** وآلت مسرات الزمان الى الضرِ
دموعى جودى فى رزية عادل *** عديل ابن خطاب مثيل أبى بكرِ
لقد ذاق من كاس الحمام امامنا *** امام الهدى بحر الندى طيب البشرِ
أنام أنام العهد فى مهد عدله *** فراح الى دوح على سندس خضرِ
تفضلت الأيام بالجمع بيننا *** ففرق من أجل القصور عن الشكرِ
كذلك دهر الدهر بؤس ونعمة *** وناهيك تلك الحل فى الوعظ والذكرِ
فوا حسرتا ان أنزل الدهر مثله *** من القصر فى قعر الجنادل والصخرِ
فما اخضرّ بالمروين بعدك عوده *** وما غردت ورقاء فى الروض ذى النورِ
وما قلبت أيدى الفوارس بعده *** رماحا لدى الهيجاء ذى الكر والفرِ
سقى الله قبرا من سحائب نعمه *** تضمن بحرا فى الندى صافى البرِ
ألا أيها الملك الشهيد المجاهد حليما *** كريما قد مضى طيب الذكرِ
عليك من الرحمن فضل ورحمة *** وروح وريحان مدى الدهر والعصرِ
كما أنت فى الأولى بعز ونعمة *** كذلك فى الأخرى وفى الحشر والنشر
-------------------------------------------------------
وذكر فى النور السافر فى أخبار القرن العاشر :-
لعمرك ما الأعمار إلا مراحلُ ***وفيها مرور الحادثات مناهلُ
كأن بنى العباس سنت سوادها *** عليه وبالأعلام قاست دلائلُ
وكان عماد الدين فى كل حادث *** وسلطانه بالنصر للشرع حافلُ
وجثته فى الأرض أضحت دفينة *** ومن شأنها تحوى الكتوز الجنادلُ
فكم حىّ قلب قد تقلب فى الغضا *** عليه وكم عقل غدا وهو ذاهلُ
وكم أنفق الأموال فى الغزو قائلاً *** إلا فى سبيل الله ما أنا فاعلُ
شياطين أهل الكفر ولت لأنها *** سليمان وافا وهو للشرك خاذلُ
غزاهم بعزم كالشهاب وقد سما *** ومن حوله عد النجوم جحافلُ
أسود لها لهف الدروع مواطن *** وغاباتها سمر القنا والعواملُ
-------------------------------------------------------
وللأديب ماميه الانقشارى فى تاريخ وفاته شعراً :
انتقل العادل من دنيته *** جاور الرحمن والمولى الرحيم
قالت الأقطاب فى تاريخه *** "مات سليمان بن سلطان سليم"
-------------------------------------------------------
وإلى هنا ينتهى ما وفّقنى الله فى كتابته ولله الحمد والمنة ...
كلمة لإخواننا من المسلمين :
هذه سيرة رجل من أعظم القادة والفاتحين , لم نكن نعلم عنه شيئا ... وتاريخنا الإسلامى مليىء بالأبطال والقادة والفاتحين , والمطلوب ان نفتح الكتب ونقرأ ونستخرج سير هؤلاء الأبطال
أرجو عند نشر الموضوع ذكر المصدر وذكر اسم كاتب المقال .... والسلام ختام
( قسم التاريخ - منتدى فرسان السنة :: فرسان الحق)
الجمعة ديسمبر 17, 2010 5:02 am من طرف هشام عبدالله محمد وهدان
» أساليب وأنواع التعلم
الثلاثاء أكتوبر 26, 2010 3:44 pm من طرف ميسره الشافعى
» إغراق إيلات.. معركة استعادة الثقة وتغيير مفاهيم عقيدة القتال البحري
الجمعة أكتوبر 22, 2010 12:12 pm من طرف هشام عبدالله محمد وهدان
» تصنيف FIFA/Coca-Cola العالمي
الجمعة سبتمبر 24, 2010 2:50 pm من طرف هشام عبدالله محمد وهدان
» من برأيك سيتأهل من المنتخبات العربية لنهائيات الأمم الأفريقية 2012؟
الجمعة سبتمبر 24, 2010 2:35 pm من طرف هشام عبدالله محمد وهدان
» من سيفوز بدوري أبطال أفريقيا؟
الجمعة سبتمبر 24, 2010 2:29 pm من طرف هشام عبدالله محمد وهدان
» من سيفوز بدوري أبطال أفريقيا؟
الجمعة سبتمبر 24, 2010 2:28 pm من طرف هشام عبدالله محمد وهدان
» أساليب المشركين في مواجهة الدعوة دروس وعبر
الجمعة سبتمبر 24, 2010 2:19 pm من طرف هشام عبدالله محمد وهدان
» أم المؤمنين .. الصديقة بنت الصديق
الجمعة سبتمبر 24, 2010 2:11 pm من طرف هشام عبدالله محمد وهدان